كتبت: آية محمد
قال فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إنَّ العلم هو السبيل الصحيح لرقيِّ الأمم وتقدمها، ولم نجد أمَّةً من الأمم سادت إلا بفضل العلم والبحث العلمي، فمن أراد أن يبني حضارة وعراقة فعليه بالعلم، ولم تكن كل الحضارات من وليد المصادفة أو عشوائية، بل كانت نتاج منهجية علمية رصينة.
جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج “مع المفتي” مع الإعلامي شريف فؤاد على فضائية قناة الناس، مضيفًا فضيلته أنَّ العلم يحتلُّ مكانةً عظيمةً وقيمةً كبيرة في منظومةِ القيمِ الإسلامية، فالطريق إلى فهم الدين لا يكون إلَّا بالعلم، والعلمُ أساسٌ للدين والدنيا، ولذلك اهتمَّ المسلمون عبر تاريخهم بالعلم والعلماء والكِتَاب والمؤسسات التعليمية، وكان لهم السَّبْقُ في ميادينَ علميةٍ كثيرةٍ أنتجتها الحضارةُ الإسلاميةُ، أفادت بها البشريةَ جمعاء.
وأوضح فضيلته أن القرآنَ حافل بالآيات التي تحضُّ على النظر، وتدعو إلى التفكر بأساليب شتَّى وصور متنوعة، والمراد بالنظر: النظر العقلي، وهو الذي يستخدم الإنسانُ فيه فكرَه بالتأمل والاعتبار.
وأكَّد فضيلة المفتي على أنَّ الآيات والأخبار والدلائل الصريحة تواترت وتوافقت على فضيلة العلم والحثِّ على تحصيله والاجتهاد في اقتباسه وتعليمه؛ منها -على سبيل المثال لا الحصر- قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 1-5].
وأشار فضيلته إلى أن الإسلام يسعى إلى بناء إنسان متعلِّم؛ فالعلم هو الضامن الحقيقي لإعادة صياغة الشخصية وتطويرها بالقدر الذي تستطيع به مواكبة متطلبات العصر وتحدياته؛ ومن ثم لا توجد ازدواجية بين العلوم الدينية والدنيوية، كما أنه من دون العلم لا يكون الإنسان مؤهلًا لمهمة الاستخلاف في الأرض، وبغيره لا تتحقق مصالحه.
وقال فضيلة مفتي الجمهورية: “إنَّ العلم في نظر الإسلام لا يقتصرُ على تحصيل العلوم الدينيَّة؛ أي تلك العلوم التي تدور حول فهم الكتاب المسطور فقط، بل إنَّ العلم في الإسلام شامل لكُلٍّ من الكتاب المسطور والكتاب المنظُور، فعلم الكتاب المسطور هو ذلك العلم الدائر حول القرآن الكريم والوحي الشريف، وعلم الكتاب المنظور هو ذلك العلم الناظر في الكون وآياته، وقد أبدع المسلمون في تلك العلوم أيَّما إبداع، ولهم في ذلك علامات براقة يشهد لها تاريخ العلوم، وأعلامٌ كان لهم أعظم الأثر في تطور العلوم بل في نشأتها، كالخوارزمي في علم الجبر، وابن الهيثم في علم البصريَّات، وابنِ سينا وابن رشد وأبي بكر الرَّازي وغيرهم الكثير”.
وشدد فضيلته على أن هناك توءَمة بين العلم والدين، فالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة تحدثنا وتحثنا على إعمال العقل والتدبر والتفكر والبحث، فطلب العلم بكافة تخصصاته من ضمن التكليفات الشرعية بل يُعد من فروض الكفاية في الشرع الشريف.
وأوضح فضيلة المفتي أن العلماء والفقهاء قسموا الأمور الواجبة إلى أمور واجبةٍ على الأفراد بحيث يتحمل مسئوليتها الفرد بعينه، ولا يغني عنه فيها غيره، ويحاسب عليها وحده ثوابًا وعقابًا والتي تنبع أهميتها في تقوية الجانب الإيماني الفردي، كأداء العبادات من صلاة وصيام وغيرها والتي تندرج تحت فروض العين، والأمور الأخرى هي الواجبة على مجموع الأفراد بحيث يتحمل مسئوليتها المجتمع بأسره، وهذا ما يُسمَّى بالواجب الكفائي، وهو يتضمن معنى المسئولية الجماعية، أي: أنه إذا فرط جميع المكلفين من أفراد المجتمع في هذه المسئولية كانوا جميعًا آثمين، وإذا نهضوا وحدَّدوا من يقوم بأعبائها بحيث يسدون الحاجة ويقومون بالفعل المطلوب، أو وجد من يقوم بذلك تبرعًا وهو كفء له سقط الإثم عن الجميع.
وأضاف فضيلته: ومن أمثلة هذه المسئولية الجماعية التي تنشأ عن فروض الكفاية والتي تحتاج إلى عقل باحث ومفكر ومبدع ضرورة أن يكون في المجتمع الأطباء والمهندسون وأرباب الصناعات والحرف والمهن والتجارات والقائمون على الولايات العامة والخاصة، وغير ذلك من الأمور الدنيوية التي يتوقف عليها صلاح المعاش، فإن هذه الأمور كلها فروض كفايات يجب أن ينهض في المجتمع من يقوم بها سدًّا لحاجات أفراد المجتمع، كما أن تعلم العلوم المختلفة العقلية والنقلية والتجريبية وإتقان الصناعات فرض كفاية لا يسلم المجتمع من الإثم إلا بوجود من يتصدر لها.
واختتم فضيلته حواره بالتأكيد على ضرورة طلب العلم قائلًا: أنصحكم وإياي بالسعي الجاد والمثابرة في طلب العلم، فإن العلم لا يُنال بالرغبات ولا الأمنيات والأحلام، بل بالجهد والتعب والإصرار، واجعلوا من العلم رفيقًا دائمًا، واسلكوا دروبه بإصرار وعزيمة، فالنجاح لا يأتي إلا لمن عمل واجتهد وصبر وثابر.