كتبت: منه الخولي
خلق عظيم وعمل جليل وهو من أخلاق المقربين، وسمة من سمات العابدين، وخصلة من خصال الفائزين، فيه خير للعباد، ومنفعة للبلاد، سبيل إلى تماسك المجتمع، وتقدم الأمم، به تقبل الأعمال وتحسن الأحوال، إنه البر الإحسان.
البر معناه: الإحسانُ والخير والعطاء، والبر: اسم جامع لكل معاني الخير؛ و البَرُّ مِن أسماء الله الحسنى: قال سبحانه: ﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾ [الطور: 28]، وقوله: ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ ﴾؛ أي: المحسِنُ إلى عباده.
والإحسان الإتيان بالمطلوب شرعا على وجه حسن، وحقيقة الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وأن تبذل ما تستطيعه من النفع والخير للبلاد والعباد.
ومقام الإحسان مقام رفيع؛ فهو غاية مراد الطالبين، ومنتهى قصد السالكين؛ أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، فمَن أحسن مع الله أحسن مع الناس، ووجد في قلبه سهولة الإحسان إليهم، كما قال تعالى: ﴿ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُوإِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34،35].
قال بعض العلماء: الإحسان هو العبادات والأعمال التي يَتقرّب بها المسلم إلى الله تبارك وتعالى من النوافل التي لم يفرضها الله على المسلم؛ فاعتبر العلماء أن التزام النوافل يُعتبر من الإحسان.
يعرف الإحسان في الاصطلاح على أنه إخلاص المسلم في عبادته لله تعالى، ودوام توجهه إليه، مع الاستشعار الدائم لوجود الله تعالى ومراقبته للعبد.
أنواع الإحسان
الإحسان ثلاثة أنواع؛ اثنان منهما يتعلقان بعبادة الله سبحانه وتعالى، والثالث يتعلق بالقيام بحقوق المخلوقات.
-الإحسان المُتَعلق بعبادة الله حيثُ يتحقّق في عبادة الله سبحانه وتعالى؛ خوفاً منه وهرباً إليه، ولا يكون ذلك إلّا باجتناب نواهيه سبحانه، والإقبال على طاعته، والتزام أوامره وما يُرضيه؛ فقال تعالى: ( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ).
-الإحسان المُتَعلق بعبادة الله عبادة الشوق ولكنَّه أعلى مرتبةً من النوع الأول؛ فالإحسان هنا يَتَعلق بعبادة الله عبادة الشوق، والأُنس بقربه سبحانه وتعالى، وتَتَحقق هذه العبادة حينما يَصل المؤمن إلى درجةٍ يُصبح فيها مُشتاقاً إلى عبادة ربه سبحانه وتعالى، وحَريصاً على أداء العبادة؛ لما يشعر به من لذّة بمناجاة الله، والقربِ منه، والأنس به. وقد وَرد عن النّبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال:(سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: إمامٌ عدلٌ، وشابٌّ نشأَ في عبادةِ اللهِ، ورجلٌ قلبُهُ مُعَلَّقٌ في المساجدِ، ورجلانِ تحابَّا في اللهِ، اجتمعا عليهِ وتفرَّقا عليهِ، ورجلٌ دعَتْهُ امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ، فقال: إني أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ ، فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُهُ ما تُنْفِقْ يمينُهُ، ورجلٌ ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضتْ عيناهُ )، فإشارته -عليه الصلاة والسلام- إلى الرجل الذي تعلّق قلبه بالمساجد تدل على هذا النوع من أنواع الإحسان.