بقلم
ا . د / محمد مختار جمعة
الأستاذ بجامعة الأزهر
وعضو مجمع البحوث الإسلامية
اللغة هي الوعاء الحامل للمعاني والثقافات ، ولا شك أنها أحد أهم عوامل تشكيل الهوية والتأثير في بناء الشخصية , فالذي لا يدرك أسرار لغته لا يمكن أن يدرك كنه ثقافة قومه ولا أن يسبر أغوارها , مع خصوصية بالغة للغة العربية في ذلك , فهي لغة القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة , وفهم الكتاب والسنة فرض واجب , ولا يتم إلا بتعلم اللغة العربية , وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
يقول الحق سبحانه : ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ , ويقول سبحانه : ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ , ويقول سبحانه : ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ﴾ , ويقول سبحانه : ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ , ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” أَنَا أَفْصَحُ الْعَرَبِ ، بِيَدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ” , وكان سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول : “تعلموا العربية فإنها من دينكم” , وعن يَحْيَى بْن أَبِي كثير أن كاتبا لأبي موسى الأشعري كتب إِلَى عُمَر بْن الخطاب كتابًا فيه لحن ، فكتب عُمَر إلى أبي موسى الأشعري: إذا أتاك كتابي هَذَا فاضرب كاتبك سوطا واعزله عن عملك .
وقد علل يوهان فك لخلود العربية بقوله : إن لغة القرآن قد صارت في شعور كل مسلم – أيًّا كانت لغته الأصلية – جزءًا لا ينفصل عن حقيقة الإسلام.
وقد عدّ الأصوليون والفقهاء وغيرهم التمكن في اللغة العربية وأدواتها أحد أهم شروط الاجتهاد ، وبلا شك فإن ذلك أحد أهم شروط المفسر وشارح كتب السنة , كما أكدوا أن الناظر في الشريعة والمتكلم فيها أصولا وفروعًا لا بد أن يكون متمكنًا من اللغة ولا يتكلم في شيء من ذلك حتى يكون عربيًّا أو كالعربي في كونه عارفًا بلسان العرب , بالغًا فيه مبالغ العرب الخُلّص , أو مبالغ الأئمة المتقدمين من العلماء واللغويين .
فما أحوجنا إلى الاهتمام بلغتنا العربية تعلما وتعليما وإعطائها حقها من الاهتمام الدراسي والتدريسي في جميع مراحلنا التعليمية، وعقد الدورات التدريبية المتقدمة لمعلمي اللغة العربية بما في ذلك أحدث الطرق والوسائل العلمية لتدرسيها خدمة لديننا وكتاب ربنا عز وجل وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وترسيخ هويتنا العربية والوطنية.