كتبت: منه الخولي
بناءً على ما عُرض في جلستي النسخة الثالثة من مبادرة “اسمع واتكلم” من آراءٍ وأفكار سواءً من جانبِ الشبابِ المُشارِك أم من المُختصين يسرُنا الإعلانُ عن عددٍ من التوصياتِ النابِعةِ من هذه المشاركاتِ المتميزة:
١. تؤكد هذه المبادرة على العزم في المضي قدمًا للتواصل المُنفتح مع الشباب بكل مشاربهم وأعمارِهم، وفتح المزيد من القنوات الحوارية معهم من أجل التعرف عن قرب عما يشغل هؤلاء الشباب؛ لا سيما في ظل التحدياتِ المعاصرة الخطيرة التي يتمثل بعضُها في التعامل مع المحتوى الديني الذي يروجه غير المتخصصين؛ لذا لن نتخلى عن مسئولياتِنا في الوصول إلى شباب وطننا للحفاظ على ثوابت الدين ومناقشة كل الأفكار من غير خطوط حمراء، فجميع الأفكار الحسنة النية هي محل نقاش ودراسة في ما بيننا.
٢. المشاعر الإنسانية من أرقى الجوانبِ التي فطر اللهُ الناسَ عليها، فالشعورُ بالناسِ ومبادلتِهم ودًا بود من أسمى العلاقات في الوجود، إلا أن هذا المَدخل وفق بحوثِنا داخل المرصد وجدناه قد يوقع عددًا من الشبابِ والبناتِ فريسةَ لجماعاتٍ إرهابية أو لجرائمَ مجتمعية تحت مسميات جذابة، وهو ما يوجبُ علينا سدَ جميعِ الثغراتِ التي قد تَنْفُذُ من خلالِها الجماعاتُ الإرهابية للتلاعبِ بعواطفِ الشبابِ ومشاعرِهم وجذبِهم لصفوفِهم من أجلِ تنفيذ عملياتٍ إجرامية وانتحارية.
٣. الاهتمامُ بالرعايةِ الوقائية والتحصينِ المبكر للأطفال والنشء في مراحلِ التعليمِ المختلفة، وذلك لغرسِ القيمِ والأفكارِ الدينيةِ والثقافيةِ المنضبطة التي تحول دونَ وقوعِهم ضحايا للأفكارِ المتطرفة، وهنا يتعاظَمُ دورُ الأبوين -وبخاصةَ الأم- في معرفةِ المؤثراتِ الخارجيةِ المحيطة بمشاعر الأبناء، وكذلك معرفةِ الطرق والأساليب الصحيحة للتصدي للتأثيرات السلبية في مشاعرِهم درءًا للتفكير في الانتحار أو الإلحاد.
٤. الحالةُ النفسية محركٌ أساسيٌ في حياة الشباب، وفي ظل التحديات الراهنة أصبح اللجوءُ إلى أهل الاختصاصِ من الأطباءِ النفسيين لمعرفةِ الطُرقِ الصحيحةِ للتعاملِ مع الضغوط والمشاعرِ السلبية ليس رفاهيةً كما يُخَيل للبعض، بل سبيلًا لإدارة المشاعرِ وتوجِيهِها لمساراتٍ تحفظُ حياتَهم وتمكنُهم من اتخاذ القراراتِ المناسبةِ للتغلبِ على تلك الضغوط.
٥. إن الأخبارَ الواردةَ عن جرائمَ تُرتَكب انطلاقًا مما يُعرف بـ “الدارك ويب” وغيره من تقنيات تكنولوجية تتعلق بالذكاء الاصطناعي، فَرَضَ تحدياتٍ كثيرة على مؤسساتِ الدولةِ وهيئاتِها المختلفة، وبدورِنا في مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بدأنا في تنفيذِ سلسلةٍ من ورش العمل التي تتناولُ الظواهرَ السلبية للإنترنت، ومن المقررِ استكمالِها في الفترات القادمة بالاستعانةِ بخبراءَ في مجالي الأمن السيبراني وأمن المعلومات لاِستيضاح الكثير من الإشكاليات المتعلقةِ بهذه التقنيات المتطورة.
٦. إن السبيل لمواجهة أي تحديات هو التعلمُ وتنمية التفكير النقدي لدى الشباب وجميع الفئات العمرية بما يَحُولُ دونَ قبولِ الأفكارِ المتداولةِ بالمطلق دونَ وعيٍ بالآثار التي قد تترتب عليها، فإِعمالُ العقلِ وفحصِ الأفكارِ لرصد النافعِ منها وطرحِ الضارِ أمرٌ لا يقبل الاستهانة؛ خصوصًا مع تصاعد وتيرة التهديدات الناتِجة عن كلِ ما يتعلقُ بالشبكةِ العنكبوتية وما يُثار عليها من شبهات.
٧. لا يخفى على حضراتِكم أن التكنولوجيا في بعض فتراتِها التاريخية قادتْ البشريةَ إلى الهاويةِ، حيث قُتِلَ عشراتُ الملايين من البشر، وما تزال آلة القتل تَعْمَلُ على بُعد خطواتٍ منا في أرض غزةَ الجريحة، وإن رسالتَنا ووصيتَنا أن نعملَ جاهدينَ وبإخلاصٍ على أن يُقَدِم التَقَدم التكنولوجي للبشريةِ مزيدًا من المنافعِ وتحقيقِ الأمنِ والاستقرارِ وخدمةِ الإنسانِ – لا أن يكونَ أداةً للقتلِ والتخريبِ والاحتلالِ – كما رأينا وما زلنا نرى.
٨. توصي بتعزيزِ الوعي الرقمي القائمِ على التحكمِ في الوقت وحمايةِ الخصوصيةِ وعدمِ الانهماكِ في الواقعِ الافتراضي، والاستعاضةِ عنه بإقامةِ علاقاتٍ صحيةٍ وواقعيةٍ بين أفرادِ الأسرة، والتحكم في المحتوى الرقمي المُقَدم للأطفال، ونشيرُ هنا إلى وجودِ تقنياتٍ وآلياتٍ تُمَكِنُ الأسرةَ من تحقيقِ ذلك؛ لهذا ندعو الآباء والأمهات -إعمالًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ”- إلى السعي لحماية أبنائِهم من الأثر السلبي الذي يُخَلِفُهُ الإنترنت وما يَحْويهِ من معلوماتٍ وأفكارٍ خاطئة تَمَسُ الثوابتَ الدينيةِ والهُويةِ الثقافيةِ والفكريةِ لمجتَمَعِنَا المصري، وتدفعُ بهؤلاء الأبناءِ إلى حافةِ الانهيار الإنساني الذي يطال أثرُه الوطنَ واستقرارَه.
٩. انطلاقًا من أهميةِ التواصلِ مع الشبابِ وجميعِ فئاتِ المجتمعِ والتعريفِ بمبادراتِ المرصد وإصداراتِه، يشرِفُنَا الإعلانُ عن إطلاق منصةٍ إلكترونية مستقلة تعدُ امتدادًا للموقعِ الإلكتروني الرسمي لمرصد الأزهر، بهدفِ نشرِ كل ما يَخُص مبادرة اسمع واتكلم، ومبادرة “اعرف أكثر” الموجَهة لطلبةِ المدارسِ وغيرِهما من مبادرات، وكذلك الإصدارات المرئيةِ والمطبوعةِ التي أُنتجتْ منذُ نشأةِ المرصدِ في عام ٢٠١٥ من أجلِ تسهيلِ الوصولِ والتعرفِ عليها والاستفادةِ من محتواها.
١٠. العملُ على تدريب الباحثين المُهتمين بمجالِ مكافحة التطرف تدريبًا مهنيًا يتسمُ بالدقةِ والموضوعيةِ والعمق، ويساعدُهمْ على تناول قضايا التطرف تناولاً موضوعيًا مُقنعًا.