كتبت: منه الخولي
تاريخ غزوة الخندق وسر تسميتها بهذا الاسم
غزوة الخندق (وتسمى أيضا غزوة الأحزاب) هي غزوة وقعت في شهر شوال من العام الخامس من الهجرة (الموافق مارس 627م) بين المسلمين بقيادة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والأحزاب الذين هم مجموعة من القبائل العربية المختلفة التي اجتمعت لغزو المدينة المنورة والقضاء على المسلمين والدولة الإسلامية.
وسبب تسميتها بغزوة الخندق كان لأجل الخندق الذي حفره المسلمون في تلك الغزوة، والذي أشار إلى حفره سلمان الفارسي -رضي الله عنه-، وسُمّيت كذلك بغزوة الأحزاب؛ بسبب تحزّب المشركين واجتماعهم لمحاربة المسلمين في المدينة، فقد اجتمع في تلك الغزوة كلّ من قريش، وغطفان، واليهود، وغيرهم، وقد سُمّيت سورةٌ في القرآن الكريم باسم هذه الغزوة، وهي سورة الأحزاب، وسُمّيت بذلك لورود قصة هذه الغزوة فيها.
أسباب غزوة الأحزاب
سبب غزوة الأحزاب هو تأليب اليهود على حرب المسلمين، وذلك أنَّ مجموعة من يهود بني النضير ممن أجلاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- من المدينة، ذهبوا إلى مكة، لتحريض سادتها على شنِّ حرب شاملة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ووعدوهم بالإعانة والنصر، وكان هدفهم من هذه الحرب هو القضاء على الإسلام واستئصاله بشكل نهائي والعودة إلى المدينة، وقد سألهم مشركو قريش عمَّا هم عليه من الشرك وعمَّا جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- أيهما أفضل؟ وذلك لكون اليهود أهل كتاب ولديهم من العلم ما ليس لدى مشركي قريش، فأجابهمُ اليهود كذباً وافتراءً بأنَّ دين قريش خيرٌ من دين محمد -صلى الله عليه وسلم- ففرح المشركون بجواب اليهود واتفقوا معهم على الحرب، وقد نزل في ذلك قوله -تعالى-: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا}.
بدء الغزوة
وصلت الأحزاب إلى المدينة بجيش قوامه عشرة آلاف مقاتل، كان جيش قريش وحده 4000 مقاتل و300 فرس و1500 بعير، وقد كان جيش المسلمين 3000 مقاتل.”
وقيل “تفاجأ المشركون بوجود الخندق، وهو الذي لم تعهده العرب من قبل؛ مما منع المشركين من الالتحام مباشرة مع المسلمين، عدا الرشق بالنبال والحجارة”.
وشدد المشركون الحصار، وتضافر على المسلمين الخوف والرعب والبرد والجوع، ولكنهم لم يهنوا ولم يضعفوا، معتمدين على الله -عز وجل-، ثم اشتد الكرب على المسلمين بعد نقض يهود قريظة العهد، واضطر المسلمون إلى توزيع قواهم، فاضطر النبي صلى الله عليه وسلم إلى إرسال فرقتين إلى المدينة لحراستها، وفي هذا الموقف ذهل المسلمون وزلزلوا زلزالاً شديدًا، فكانوا يقاتلون في خمس جبهات: “المشركين ويهود بني قريظة والخوف والجوع والبرد
نتائج غزوة الأحزاب
بعد قرابة شهر من الحصار والمناوشات والمكائد والخيانات، تبددت آمال الكفار والمشركين، وخابت مساعيهم، وهُزموا شر هزيمة، واستجاب الله -تعالى- دعاء نبيَّهُ: (اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اهْزِمِ الأحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وزَلْزِلْهُمْ)، فأرسلَ على الأحزاب ريحاً شديدةً اقتلعتهم من جذورهم في أحلك الليالي وأقساها عليهم، وأنزل ملائكته تزلزلهم وتبثُّ الرعب في قلوبهم حتى اندحروا خائبين، ونصرَ الله -تعالى- نبيَّهُ والمؤمنين من دون قتال، قال -تعالى-: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا).
الدروس المستفادة من غزوة الأحزاب
لقد كان لغزوة الأحزاب حكم ودروس كثيرة، نذكر بعضها فيما يأتي:
-إن النصر الحاسم للمسلمين على المشركين في غزوة الأحزاب، وعلى يهود بني قريظة ناقضي العهد، نعمة عظيمة تستوجب الشكر والحمد لله؛ لأنه نصر بتدبير الله سبحانه وتعالى، بإرسال الريح والملائكة، وقد صدقت فيه عزيمة المؤمنين على خوض المعركة، والدفاع عن مدينتهم عاصمة الإسلام.
-إن القائد المثالي هو من يشاور أصحابه وخاصته، فالنبي صلى الله عليه وسلم شاورهم في أمر القتال، وقبل مشورتهم في حفر الخندق، حيث أنزل الشورى منزلتها، ورسخها في حياة الأمة، وإنه بقدر قوة وحزم ورشد وعبقرية القيادة يكون التفوق والنصر.
-إن موقف المؤمنين الصادقين دائمًا نقيض موقف المنافقين، فهم مصدقون، واثقون بوعد الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولم تزدهم المحنة والابتلاء والنظر إلى الأحزاب إلا إيمانًا وتسليمًا.
-للمنافقين خصال اجتماعية وشخصية قبيحة ومذمومة، فهم بخلاء على المسلمين فيما يحقق المصلحة العامة، بخلاء بأنفسهم وأموالهم، مثبطين مرجفين، جبناء يخافون من لقاء الشجعان، سليطوا اللسان يؤذون غيرهم بالكلام والتفاخربالكذب والزور، فهم فئة لم يؤمنوا بقلوبهم، وإن كان ظاهرهم الإسلام.
-إن تلاحق الشهداء وتواليهم على درب الجهاد في سبيل الله، سواء بالاستشهاد أو بانتظار الأجل، هذا أمارة خير ودليل استدامة الإخلاص جيلًا بعد جيل.
-إن الدعاء سلاح هام في أيدي المسلمين، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان كثير التضرع والدعاء، والأمة اليوم بحاجة للجوء إلى الله والتضرع وحسن التوكل عليه.
-إن القتال لا ينقص العمر، وتركه لا يزيد في العمر، فالأجل مكتوب، ولن يمنع حذر من قدر، فترك الجهاد خوفًا من القتل عمل غير صالح، وهو من صفات المنافقين.
-إن سوء الظن بالله تعالى وبرسوله كفر ونفاق، وإن على المؤمن أن يكون حسن الظن بالله دائمًا.
-إن من الواجب الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أقواله وأفعاله وأحواله، فهو القدوة والحجة.