كتبت: منه الخولي
شارك الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الدكتور نظير عياد في فعاليات المؤتمر الثالث لكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة، والذي عقد تحت عنوان: «نحو شراكة أزهرية في صناعة وعي فكري آمن…رؤية واقعية استشرافية»، بمركز الأزهر للمؤتمرات بالقاهرة، وبمشاركة الهيئات العلمية والبحثية والتعليمية بالأزهر الشريف، ووزارة الأوقاف، ودار الإفتاء، واللجنة الدينية بمجلس النواب، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وبحضور عدد من قيادات الأزهر الشريف وعمداء الكليات وأعضاء هيئة التدريس.
وقال الأمين العام في كلمته التي ألقاها: إن الحديث عن هذه الشراكة يأتي في وقت يمر فيه العالم بألوان عدة من المآسي، لعل أولاها ما يقع لإخواننا في فلسطين بشكل عام وفي غزة بشكل خاص؛ حيث يأتي هذا المؤتمر ليشير إشارة واضحة إلى أهمية الشراكات العلمية والتعاون بين المؤسسات المعنية بالشق الدعوي والشق العلمي؛ إيمانًا منها بأن تجلية الحقائق لا يتأتى إلا من خلال القضاء على ما يعرف بتزييف الواقع والشبه الباطلة التي لا يمكن أن تصمد أمام نقد علمي أو حقيقة علمية، مشيرًا إلى أن ثاني المآسي التي يمر بها العالم ما يعرف بأم الفواحش (المثلية الجنسية) والتي جيشت من أجلها الجيوش، وأعدت من أجلها المؤسسات، ورصدت لأجلها الأموال؛ بغية القضاء على الفطرة النقية والسلوك السوي الذي فطر الله تبارك وتعالى الناس عليها، حيث تأتي أهمية هذه الشراكة تبصر الناس بما ينسجم عقلًا ونقلًا وروحًا وفكرًا.
أضاف عياد أن ثالث هذه المآسي هو ما يعرف ب(ظواهر الإلحاد)، هذه الظواهر التي لم تعرف لبيئاتنا التي شرفنا الله تبارك وتعالى بالانتساب إليها سبيلا إلا عندما بدأ الغزو الثقافي أو الغزو الفكري الذي عمل على تغيير الحقيقة وتزييف الواقع؛ حيث يأتي مثل هذا التعاون ليؤكد على أهمية تضافر الجهود وتوحيد الكلمة حول هذه المآسي التي يمكن أن يلزم عنها القضاء على الأخضر واليابس، موضحًا أن القضية الفلسطينية يحاول فيها عدو غاشم القضاء عليها بأدواته وآلاته وأعوانه على شعب أعزل لا سند له ولا نصير إلا الله تعالى.
وأشار الأمين العام إلى أهمية هذا المؤتمر الفكريّ، الّذي ينطلق عنوانه من شراكةٍ ضروريّةٍ، وتعاونٍ واجبٍ بين المؤسّسات المعنيّة بالدّعوة والدّعاة، ليصل إلى وعيٍ رشيدٍ بالواقع، واستعدادٍ للمستقبل؛ حيث إنّنا اليوم في حاجةٍ شديدةٍ إلى هذا التّعاون؛ خدمةً للإسلام، وهدايةً للخلق، وخاصّةً في ظلّ ما يواجهه الإسلام من تحدياتٍ داخليّةٍ وخارجيّةٍ، تؤثّر في عقول المسلمين وقلوبهم، موضحًا أن المؤسّسات المعنيّة بالدّعوة وإن كان بينها تمايزٌ إداريٌّ واضحٌ، فلا ينبغي أن يكون ذلك سببًا في عزلةٍ دعويّةٍ، بل الواجب أن يكون بينها تكاملٌ مثرٍ للحراك الدّعويّ، وأنّ وجود قطيعةٍ عمليّةٍ بين هذه المؤسّسات وهمٌ كبيرٌ لدى بعض الأدمغة، والواقع يشهد على التعاون الفعال والمثمر بين المؤسسات والهيئات الدينية في مصر، والتي يجب أن تزيد تلك الجهود في سبيل التّكامل والتّعاون بما يعود على الدّعوة والأمّة بالخير.
وأكد عياد أن الدّعوة إلى الله فريضةٌ إيمانيّةٌ، وضرورةٌ مجتمعيّةٌ، والعمل في هذا الميدان هو مهمّة الأنبياء والمرسلين، وطريق العلماء والمصلحين، فضلًا عن كون الدّعوة الإسلاميّة أحد المعايير المهمّة في سبيل النّهوض بالأمّة، وأنّ ما تواجهه الأمّة اليوم من مشروعاتٍ منحرفةٍ وأجنداتٍ مموّلةٍ تستهدف الهويّات والعقائد والمناهج ليدعونا إلى مزيدٍ من القراءة الواعية، والدّراسة العميقة، والتّحليل الدّقيق، ووضع الخطط والبرامج العلاجيّة والوقائيّة، لمواجهتهـا والتّغلّب عليها، والتّقليل من مخاطرها، مشيرًا إلى دور الأزهر الشريف بقيادة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، الذي تنبه لتلك التحديات وعمل على مواجهتها فأنشأ المراكز العلمية والوحدات البحثية والفرق الميدانية التي تعمل على مواجهة هذه التحديات وفق رؤية علمية مستنيرة تتجاوب مع الإسلام طرحًا وعرضًا وأصولًا وفروعًا.
وبين الأمين العام أنّ الدّعوة الإسلاميّة المعاصرة تواجه تحدياتٍ كثيرةً على الصّعيدين الدّاخليّ والخـارجيّ، تستوجب الهمّة الصّادقة والعمل الرّشيد، ومن تأمّل الحراك الدّعويّ ومناهج الدّعاة وجد ميلًا غريبًا لدى بعض الدّعاة عن رحابة الشّريعة وسعة أحكامها إلى تعصّبٍ مذهبيٍّ مظلمٍ أو إلى دعوةٍ حزبيّةٍ ضيّقةٍ، وعن عرض شموليّة الإسلام لكلّ جوانب الحياة إلى حبسه في ركنٍ قصيٍّ من أركانها، وعن الواقع وما يفرضه من مستجدّاتٍ إلى ماضٍ لا يكاد يخرج منه، وعن تعدّديّةٍ مثريةٍ إلى أحاديّةٍ مغلقةٍ، ناهيك عن الأمراض القلبيّة الّتي تسلّلت إلى المتصدّرين من الدّعاة من حبّ الزّعامة والظّهور، والعجب واتّباع الهوى!، موضحًا أنه إضافة إلى هذا البلاء الدّاخليّ فإن بلاء وافدًا استقبلته عقولٌ معطّلةٌ، وأنظارٌ قاصرةٌ، وقلوبٌ عمياء، هو ذلكم التّطـرّف بشقّيه إمّا إلى الإفراط بالتّشدّد، أو التّفريط بالإلحاد والتّشكيك، وذلكم الانحراف عن القيم الإسلاميّة المستقرّة المتعلّقة بالأسرة الطّبيعيّة إلى شذوذٍ ومثليّةٍ، وكلّ ذلك شرٌّ، وإنّ من الوعي الدّعويّ أن ندرك أنّ من يحرص على بذر هذه الآفات في نفوسنا وبلادنا، إنّما يريد أن تظلّ أمّة الإسلام مشغولةً عن تأكيد خيريّتها؛ فلا تأمر بمعروفٍ، ولا تنهى عن منكرٍ، ولا تؤمن بالله.
وختم عياد بالتأكيد أن هذا المؤتمر بحضور كوكبةٍ من العلماء والمفكّرين الأجـلّاء، يأتي خطـوةً جـادّةً لتأكيد ضرورة التّكامل المعرفيّ والدّعويّ بين المؤسّسات المختلفة، لمواجهة التّحديات الّتي تواجه الدّعوة الإسلاميّة، وللإسهام في تصحيح بعض المفـاهيم الخاطئـة السّائدة؛ لتقديم الإسلام للعالم بصورته المشرقة، وبيان قدرته علـى إنقاذ البشريّة ممّا هي فيه من الشّقاء والظّلم، وأن من تمام الوعي الفكريّ أن تدرك مؤسّسات الدّعوة أنّ صناعة الدّعاة ينبغي أن تزاوج بينالثّقافة الدّينيّة المبنيّة على أصولٍ من الوحي السّماويّ وما حوله من علومٍ شارحةٍ وبين معطيات الزّمان والمكان؛ ليكون الدّعاة بذلك تراثيّين مع اتّصالٍ وثيقٍ بالواقع، ومعاصرين دون بعدٍ من الماضي؛ حيث حرص مجمع البحوث الإسلاميّة في ورقته الّتي تقدّم بها إلى المؤتمر أن يصوغ رؤيته حول تكوين داعيةٍ معاصرٍ، فجاءت في ستّة محاور، هي: البناء العقديّ، والرّوحيّ، والعلميّ، والأخلاقيّ، والبدنيّ، والمهاريّ.
The short URL of the present article is: https://kayan-misr.com/mxcu