كتبت: منه الخولي
من فضل الله على عباده أنه أنزل على عباده نفحات في أوقات معينة يُتضاعف فيها الأجر والخير والبركات، ويصحح بها وجهته إلى الله، ويستدرك فيها ما قصَّر في جنب الله، ومن هذه الطاعات الموسمية سُنَّة الاعتكاف.
-معنى الاعتكاف وحكمه
الاعتكاف لزوم الشئ وحبس النفس عليه، خيراً كان أو شراً. قال تعالى:” ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون” ، أي مقيمون متعبدون لها. والمقصود به هنا لزوم المسجد والإقامة فيه بنية التقرب إلى الله عز وجل.
والاعتكاف سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام وخصوصاً في العشر الأواخر من رمضان.
فالاعتكاف ليس له وقت محدد فهو يتحقق بالمكث في المسجد مع نية الاعتكاف، طال الوقت ام قصر ويثاب ما بقى في المسجد. فإذا خرج منه ثم عاد إليه جدد النية إن قصد الاعتكاف.
إذا نوى المعتكف اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، فإنه يدخل المسجد قبل غروب الشمس، لما روي أنه صلى الله عليه وسلم” كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه”، فمعناه أنه كان يدخل المكان الذي أعده للاعتكاف في المسجد. أما وقت دخول المسجد للاعتكاف فقد كان أول الليل.
-أركان الاعتكاف
حقيقة الاعتكاف المكث في المسجد بنية التقرب إلى الله تعالى، فلو لم يقع المكث في المسجد أو لم تحدث نية الطاعة لا ينعقد الاعتكاف.اما وجوب النية فلقول الله تعالى ” وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين”، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم” وإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى”
وأما المسجد لا بد منه في الاعتكاف فلقول الله تعالى:” ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد”.
-مدة الاعتكاف
وبداية الاعتكاف ونهايته يحددها الْمُعْتَكِف بنفسه، فإن نوى اعتكاف مدة معلومة استُحب له الوفاء بها بكمالها، فإن خرج قبل إكمالها جاز؛ لأن التطوع لا يلزم بالشروع، وإن أطلق النِّيَّة ولم يُقَدِّر شيئًا دام اعتكافُه ما دام فى المسجد] اهـ. “المجموع” (6/ 514).
-ما لا يجوز حال الاعتكاف
لا يجوز للمعتكف أن يغادر المسجد الذي يعتكف فيه إلا لأمر لا بد له منه، كقضاء حاجة من بول أو غائط، أو للإتيان بطعام أو شراب، إن لم يكن هناك من يحضره له، ومثله الخروج للتداوي والعلاج، ونحو ذلك من الضرورات التي لا غِنى للإنسان عنها.
كما أن عليه أن يحذر مما يُفْسِد عليه اعتكافه؛ كمباشرته لزوجته أو مجامعتها، لقوله سبحانه: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها)(البقرة:187).
فلو جامع المعتكف زوجته فسد اعتكافه، ولا قضاء عليه على الصحيح، ويفسد الاعتكاف كذلك بالخروج من المسجد لغير ضرورة.
وليس للمعتكف أن يزور مريضاً، أو يشهد جنازة إلا أن يشترط ذلك في اعتكافه؛ ولا حرج في زيارة أقاربه له في مكان اعتكافه، وخصوصاً إن كان ثمة ما يدعو لذلك؛ وليس له أن يتجر ويبيع ويشتري حال اعتكافه.
آداب الاعتكاف
لما كان المقصود من الاعتكاف الانقطاع عن الناس والتفرغ لطاعة الله، كان على المعتكف أن يراعي في اعتكافه جملة من الآداب، منها الاشتغال بذكر الله تعالى ودعائه، وتلاوة القرآن، والإكثار من النوافل، وتجنب ما لا يعنيه من أحاديث الدنيا قدر المستطاع، ولا بأس بشيء من الحديث المباح مع الأهل وغيرهم لمصلحة، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع صفية رضي الله عنها، وله أن يتزين ويتجمل في الثياب والبدن، وأن يأكل ويشرب في المسجد مع المحافظة على نظافته وصيانته.
وبذلك يظهر خطأ كثير من الناس ومجانبتهم لآداب الاعتكاف حين يجعلون من هذه الأيام فرصة للاجتماع والالتقاء، وتبادل الضحك والأحاديث والأسمار، وتنويع المآكل والمشارب، ما ينافي الحكمة التي شُرع لأجلها الاعتكاف، ويذهب بأثره على القلب والروح.